الرياضيات علم من العلوم التي تخاطب العقل البشري وتتصل اتصالًا مباشرًا بالحياة، وترتبط بالظروف والعوامل الحياتية التي يعيشها الإنسان، وهي بكل فروعها سواء كانت بحتة أو تطبيقية قد أنشأتها احتياجات الإنسان، وسعيه نحو السيطرة على الطبيعة، وحرصه على تحسين ظروف حياته، وحل مشكلات الحاضر والمستقبل، وقد أدرك الإنسان أهميتها في الحياة اليومية منذ القدم، وأن لها دورًا رائدًا في جميع المجالات الشرعية والاقتصادية والسياسية والتقنية والنفسية وغير ذلك من المجالات. والتنافس بين الدول والسباق المعرفي قد زاد من أهمية هذا العلم، ولهذا في عام 1957م كانت نقطة التحول الأمريكي وبداية التقدم الحقيقي من خلال الرياضيات، فحينما أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الاصطناعي سبوتنيك Sputnik أصيبت الولايات المتحدة حينها بصعقة سميت بحمى سبوتنيك، وأخذت تبحث عن أسباب تأخرها في إطلاق الأقمار الصناعية، فوجدت الخلل في مناهج الرياضيات، فأدركت الولايات المتحدة الأمريكية حينها أهمية الرياضيات، وتولدت لديها دافعية في إعادة النظر إلى مادة الرياضيات وتحديثها بما يتناسب مع طبيعة المرحلة، فمنذ ذلك الحين خضعت مناهج الرياضيات في الولايات المتحدة الأمريكية لعدد من التغيرات بغرض التطوير ورفع أداء الطلاب في هذه المادة، ولا يزال التطوير مستمراً لمناهج الرياضيات، وبعد دراسة ومراجعة على مدى عامين من قبل المعلمين والتربويين وغيرهم من المهتمين بتعليم الرياضيات أصدر المجلس القومي لمعلمي الرياضيات «NCTM» «وهو مجلس متخصص في تطوير الرياضيات في الولايات المتحدة» وثيقة مطورة باسم مبادئ ومعايير الرياضيات المدرسية «Principle and Standards for School Mathematics». ومن أهم سمات هذه الوثيقة هي الأهمية الكبيرة والعناية الفائقة باستخدام التقنية في تعليم وتعلم الرياضيات حيث صيغت كمعيار أساس لتعليم وتعلم الرياضيات. وتتابعت الدراسات والأبحاث ذات الاختصاص التي تؤكد على فاعلية استخدام التقنية في تعليم وتعلم الرياضيات في تنمية التحصيل الدراسي وتنمية التفكير، ولا يزال مجال البحث قائماً في استخدام التقنية في تعليم وتعلم الرياضيات لقياس فاعلية التقنية في بعض المتغيرات الأخرى، كما أن فروع وأدوات التقنية مختلفة، ولم تحدد الدراسات أفضل وسيلة في التعلم الإلكتروني، فهناك الحقائب التعليمية الإلكترونية، والمواقع الإلكترونية، والويب كويست «web quest»، وأنظمة التعلم الإلكتروني، والويب2، ومواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك وتويتر واليوتيوب…»، والحاسبات البيانية، والمواقع التعليمية، والمنتديات التعليمية، وحاسبات الويب، والهواتف النقالة، وغيرها.. وإن من أهم الاتجاهات الحديثة في بحوث تعليم الرياضيات هو تبني النظرية البنائية Constructivism عند صياغة المناهج والمقررات الدراسية لمادة الرياضيات والتي تمكن الطالب من القيام بدوره الفعال في عملية التعليم والتعلم، فالطالب يستطيع تناول المفاهيم ومعالجة المعلومات وتكوين بنيته المعرفية من خلال توجيه معلمه له بدلاً من تلقيه للمعلومة جاهزة منه واسترجاعها حينما يطلب منه ذلك. فأهم إستراتيجيات التعلم التي أثبتت الدراسات فعاليتها ومساهمتها في رفع مستوى التحصيل لدى الطلاب إضافة إلى تدريب الطلاب على التعاون والقدرة على النقاش والشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه الآخرين هي إستراتيجية التعلم التعاوني Cooperative Learning، وإستراتيجية التعلم من خلال فرق العمل، وإستراتيجية الحالات الدراسية، وغيرها.. ولا يزال مجال البحث قائماً في تحديد فاعلية هذه الاستراتيجيات في تنمية بعض المتغيرات «كالتفكير المستقبلي، والتفكير الإبداعي، والتفكير الاستقصائي، والتفكير المنطقي، والتفكير الرياضي، والذكاءات المتعددة، وتنمية الذات…». كما أن من أهم الاتجاهات الحديثة في بحوث تعليم الرياضيات هي دمج مهارات التفكير في مقررات الرياضيات وربط الرياضيات بالحياة، وتنمية مهارات التفكير لدى الطلاب من خلال تدريس الرياضيات، حيث إن البحث مستمر في تحديد كيفية دمج مهارات التفكير في مقررات الرياضيات، ومدى فاعلية بعض المقررات المطورة في تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب. وطرق وأساليب التقويم الحديثة هي اليوم من أهم الاتجاهات الحديثة في بحوث تعليم الرياضيات. فلم تعد طرق وأساليب التقويم مقتصرة على الاختبارات بأنواعها الشفوي والتحريري والمقالي والموضوعي بل تطورت إلى التركيز على التقويم المستمر واستخدام أساليب تساعد على فهم المعلم لطلابه وقياس تفكيرهم واستخدام نتائج التقويم لتعديل طرق تدريسه. ومن بين الأساليب الحديثة التي يستخدمها معلمو الرياضيات ـ نظام الروبرك «Rubric» وهو عبارة عن عقد بين المعلم والطالب يحدد بوضوح مستوى معالجة وفهم الطالب لحل المسألة الرياضية فتتدرج الدرجة على سبيل المثال بين الصفر والخمسة بحيث يعطى صفرًا عندما تكون الإجابة خاطئة تمامًا وخمسة عندما تكون الإجابة صائبة تمامًا، وما بين هاتين الدرجتين تحدد الدرجة المناسبة حسب خطوات الحل، ومنها يتعرف المعلم على مواطن الخلل لدى الطلاب وأين تقع. وبالتالي يقيس مدى فهمهم وتطبيقهم للمعرفة، ويتعرف على طرق تفكيرهم في حل المسألة. وقد تُستخدم أساليب تقويم أخرى مثل ملف الإنجاز، والمشاريع البحثية، وغيرها، ولا يزال مجال البحث قائماً في استحداث أساليب تقويم فعالة، وفي قياس فاعلية أساليب التقويم الحالية في تنمية بعض المتغيرات. وهذا وبالله التوفيق، وأسأل الله أن يفيد هذا المقال الباحثين في كافة المجالات وفي مجال بحوث تعليم وتعلم الرياضيات، وسوف نتناول مناهج البحث العلمي في مقال آخر بإذن الله.
د. أحمد سيد محمد متولي
دكتوراه مناهج وطرق تدريس رياضيات
عمادة تطوير المهارات
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق